٢٨‏/٠٥‏/٢٠٠٨

صاحبة الجلالة.... التدوين


كتب الكثيرون خلال السنتين الماضيتين عن التدوين و المدونين و أثير كثير من اللغط حول تعريف هذه الظاهرة الجديدة ما بين مشجع لها و ما بين ناقم و ناقد عليها و واصفا أيها بشخبطات الهواة، و بعد أن قرأت و علقت على كثير من تلك الآراء قررت أن أكتب رأيي بهذا الخصوص معتمدا على ما أملكه من تجرد و حيادية

يجب أن يعرف القارئ الكريم بأني اكتب هذا الرأي انطلاقا من خبرة في المجال الإعلامي تمتد أكثر من ثمانية عشر عاما عملت فيها صحفي في كل من جريدتي الرياض و الحياة إضافة لإدارتي التحرير في جريدة الشرق الأوسط لسنتين كاملتين و بالتالي فإني اعتقد بأن لي شئ من الدراية بالعمل الإعلامي و الصحفي و الذي يوصف التدوين بأنه امتداد طبيعي لهما في زمن التقنية و المعلومات و في زمن المواطن الصحفي كما يسمى

لقد كتبت في الصحافة لسنوات طويلة و قد وصلت في أواخر التسعينات الميلادية لقرار شخصي و هو الابتعاد عن العمل الصحفي اليومي نهائيا و ذلك بعد أن اقتنعت بأن العمل الصحفي في السعودية لن يكون كما تمنيته أيام الدراسة، فهو عمل لن يتجاوز أكثر من الذهاب لتغطية مؤتمر صحفي أو كتابة تقرير أو تحقيق حول موضوع يحدده الرقيب و يخضع لمقصه، أو مقال حول ظاهرة العمالة الوافدة و جمال مهرجان الجنادرية، كل ذلك و ما عشته من تجارب منذ أيام الشباب الأولى أوصلتني لتلك القناعة بأن العمل الصحفي في بيئة لا تشجع الإبداع و التفكير خارج الصندوق ليس أكثر من مضيعة للوقت كما أنها ليست وظيفة تحقق للإنسان الضمان المادي في زمن الماديات

عندما شنت القوات الأمريكية الحرب على العراق كنت في حينه أعمل في المجال الإعلامي و لكن ليس العمل الصحفي و قد كانت لتغطية أحداث تلك الحرب على الهواء مباشرة الأثر الكبير في خلق الرغبة فيني من جديد للعودة للعمل الصحفي بثياب المراسل الحربي الذي يقوم بأداء عمله بكل حب و متسلح بقلمه و كراسته لينقل للعالم ما يجري من أحداث، إلا أن الأقدار لم تشأ لي أن أحقق ذلك على الرغم من أن الصدف جعلتني أعود مجددا للعمل في الحقل الصحفي حينما التحقت بالعمل في اكبر شركة إعلامية عربية في أواخر عام ألفين و أربعة و التي قادتني بعد ذلك للعمل لمدة سنتين كمدير للتحرير في لجريدة الشرق الأوسط في المملكة و هي الوظيفة التي أعطتني فرصه لقراءة المشهد الصحفي الإعلامي السعودي من منظور جديد و من زاوية أكثر خصوصية و دقة

هذه التجارب التي عشتها في العمل الإعلامي أوصلتني للتدوين و الذي أعده الآن أجمل و أشجع قرار اتخذته منذ سنين طويلة، فعلى الرغم من كون التدوين هو متنفس شخصي في المقام الأول إلا انه بالإضافة إلى ذلك هو أداة لقراءة أفكار الناس مباشرة دون تجميل و ترقيع، كما أن التدوين هو الملجأ الوحيد للتعبير عن الرأي بعيدا عن الحسابات و الإحراجات و المجاملات، و بالتالي أصبح التدوين بالنسبة لي الجسر الذي يوصلني بمن يريدني و هو الجسر الذي يوصلني بمن أريد من أصحاب الرأي و الخبر و التعليق و النكتة

تساءلت قبل يومين في تدوينه احد الأخوة و الذي كتب عن التدريس و المدرسين و كيفية تعاملهم مع الطلبة و مقارنة ذلك بين أيامنا هذه و أيامنا نحن ، حيث قلت بأن التدوين و اليوتيوب و الفيس بوك كلها وسائل أصبحت تشكل أدوات ضغط و رقابة على المدرسين كونها لن ترحمهم في حال قاموا بالضرب أو السب أو التعنيف الزائد، فقد يجد نفسه في صورة أو مقطع فيديو له في احد تلك المواقع و بعدها لن يفيده الندم، و طبعا هذا ينطبق على كل مدير و وزير و مسئول

أتابع عدد من المدونات الاجتماعية و السياسية و الشخصية و التي أجدها في كثير من الأحيان مفيدة أكثر من الصحف و خصوصا تلك المدونات التي يكتب أصحابها بأسمائهم الصريحة... مثلي :)، فكثير من تلك المدونات تنقل الرأي الموزون تجاه قضية معينة أو معلومة جديدة حول ظاهرة جديدة أو خبر خاص ينقله دون إضافات و بهارات، و هي تدوينات تتنوع من تدوينات في الشأن المحلي او السياسي او الإجتماعي او الهزلي او التقني...إلخ

لقد قام المدونون بعمل ما عجزت عنه الصحافة التقليدية في العالم العربي و في السعودية على وجه الخصوص، حيث اصبح المدونون هم العيون المراقبة و الألسن الناقدة لكل تقصير و تجاوز يقوم به أصحاب القرار في وزاراتهم و شركاتهم و أبراجهم العاجية، و اصبح المدونون هم السلطة الرابعة الفعلية التي تحرك الرأي العام و تتحرك به على الرغم من أن التجربه لا زالت في أولها إلا أن تأثيرها الناتج حتى الآن حقق أكثر بكثير من ما حققه الإعلام و الصحافة التقليدية و التي في غالبها تعمل من منطلق ردة الفعل

10 comments:

غير معرف يقول...

جميل يا ياسر ..
ننتظر منك خبرتك أكثر و أكثر ..

غير معرف يقول...

منكم نستفيد يا ياسر دائماً تتحفنا بتدوينات رائعة كروعة أطلالتك

همسة: إلى الان مالقيت من يغير موقعك الى wordpress
أنقذنا أعاني من مشكلة التعليقات هنا
ماعندي مانع لو ساعدتك في موقعك

غير معرف يقول...

كلامك صحيح خصوصاً إن هناك من هاجم المدونين وإعتبر صفحاتهم لا تعد أكثر من تفاهة شخصية وآراء سطحية

انا عن نفسي أعتبر التدوين متنفس جميل وآداة للتعبير عن الرأي بكل صراحة وحرية يمكن يكون البوابة اللي من خلالها يتكلم السعوديين بحرية ويعبرون عن آرائهم تجاه المشاكل التي تواجهة مجتمعنا بكل أنواعها


:)


كعادتك أستا ياسر مميّز :)

غير معرف يقول...

يسعدنا رأيك.. كونك لن تتحيز لطرف على الآخر...

كثير من الإعلاميين التقليدين ينظرون للتدوين نظرة (دونية). ولا يعلمون أن الإعلام الجديد.. وعلى رأسه التدوين.. سيجعلهم بلا قيمة خلال سنوات قليلة...

غير معرف يقول...

أحببت أن أسجل إعجابي بما كتبت ..

وأرجو أن تخصص لنا بعض التدوينات تحكي لنا فيها تجربتك مع العمل الصحفي، والخبرات التي اكتستبها .. سنستفيد منها حتما

غير معرف يقول...

كلام خبير ..ماشاء الله

لدي سؤال بحكم التخصص ..
ماهو توقعك أخوي ياسر لمستقبل المدونات في السعودية ..لاسيما في صنع القرار السياسي أو التأثير عليه ..

هل هناك أ..م..ل ...أو بصيص ...

ياسر الغسلان يقول...

بندر
شكرا جزيلا على المرور، و إن شاء الله اكون عند حسن الظن

ابراهيم
تسلم يا غالي على الكلمات الرقيقة.
المشكلة في الإنتقال هي اني اريد نقل دومين موقعي الحالي الذي اشتريته من غوغل معي للورد بريس، علما أني سجلت موقع هو
alghaslan.wordpress.com
و لكن اريد تفعيله بالدومين الذي استخدمه الآن، المشكلة أن سفرياتي كثيرة هذه الأيام و اريد ان انهي الموضوع و لكن ابشرك لقيت واحد من الزملاء الذين يعملون في نفس الشركة التي اعمل بها و له خبرة في التصميم و البرمجة سأنهي الموضوع معه خلال الفترة القريبة القادمة، و شكرا لك على تطوعك للمساعدة،،، كلك ذوق.
تحياتي

مشاعل
لقد احتدم النقاش حول هذه الموضوع على موقعي في الفيس بوك و قد اختلفت الأراء ما بين واصفا التدوين انه متنفس للهواة و ما بين مدافع و بشراسه عن التدوين بصفته الإعلام القادم في زمن التقنية.
في رأيي أن المستقبل في العمل الصحفي و الإعلامي هو للتدوين وليس للعمل الصحفي التقليدي
تحياتي

عصام الزامل
شكرا لك على هذه الثقة.
كما علقت على كلام الأخت مشاعل، فأنا اتفق معك تماما بأن مستقبل العمل الإعلامي سيكون في التدوين و الذي خلق من كل مواطن صحفي في زمن الصحفي المواطن كما اصبح يسمى العمل الإعلامي التدويني.
تحياتي

سلطان الجميري
حياك الله اخي سلطان، ولكم باك،،،،
اعتقد جازما كما قلت في معرض الرد على التعليقات و كما قلت في تعليقات حول الموضوع مع بعض الزملاء على موقعي في الفيس بوك، و هو أن التدوين هو الإعلام القادم في زمن التقنية، و أصبح فعلا ذا تأثير و ما اعتقال عدد من المدونيين في السعودية و العالم العربي إلا دليل على أن الكلام الذي يكتب و الاراء التي يتم تداولها تشكل تأثيرا على الرأي العام و القابعين هناك في أبراجهم العاجية.
أنا متأكد من ان التدوين سيكون له الأثر الأكبر في كثير من ما سيحدث في عالمنا العربي من تغييرات سياسية و إجتماعية، فالمدون في تقديري هو نبض الشارع الحقيقي بالمقارنه بكتاب الأعمدة و قادة الرأي الذين أصبح تأثيرهم يقل يوما بعد يوم نتيجة إفتقارهم للمصداقية الكافية نظرا لإنعدام ثقة الجمهور بوسائل الإعلام التقليدية التي يعملون بها و ينقلون أفكارهم من خلالها و التي يتحكم بها كل من الرقيب حكوميا كان او ذاتيا.
تحياتي

غير معرف يقول...

أخي ياسر ...

مررت من هنا لأسجل إعجابي بما كتبت .. و أوافقك الرأي في كل ما طرحته


دمت بود
ألماس

غير معرف يقول...

استاذي ياسر

كتبت فأجدت الحروف وخط بنانك أجمل عبارات في شرح المدونات والغرض منها ..

دمت سيدي بخير

Unknown يقول...

اعتقد ان التدوين مجال للتعبير عن النفس وما يجول فى الفكر العام للبشر
باختلاف جنسياتهم وثقافتهم وحتى لغاتهم
التدوين فكر جديد لعالم لا يستقر ابدا


كل الاحترام لك